السبت، 7 يناير 2012

الفلسطينيون في سوريا

ارتبط اللاجئون الفلسطينيون منذ قدومهم إلى سوريا عام 1948 بصورة مشرقة تجسدت بالمستوى التعليمي النوعي الذي ميز طبقة مهمة منهم وخصوصاً اللغة والأدب الإنجليزيين، اللذين بدآ بالدخول إلى الحياة العلمية السورية منذ مطلع الخمسينات ليحلا محل اللغة الفرنسية وآدابها، هذا إضافة إلى مهن نوعية معظمها في سلك التعليم وكثير منها في الطب وفروع الهندسة ومن الجدير بالذكر أنه في ورقة عمل قدمها الباحث طارق حمود لتجمع العودة الفلسطيني (واجب) أشار فيها إلي وجود أكثر من 125 أستاذ جامعي فلسطيني في جامعة دمشق وحدها منهم من يحمل درجة (بروفسور) وهو ما يشكل نسبة 10% من مجموع الهيئة التدريسية للجامعة وهو ما يفوق نسبة الوجود الفلسطيني في سورية بـ 7% تقريباً. 
وتعود هذه الصورة المشرقة ربما إلى اللاجئين الفلسطينيين الذين أتوا إلى سوريا أثناء الحروب الصليبية وأسسوا المعاهد في صالحية دمشق وأنشأوا نهضة دمشق العلمية إبان الدولتين النورية (نسبة لنور الدين الزنكي) والصلاحية (نسبة لصلاح الدين الأيوبي)، إذا لا تزال آثار بني قدامة المقدسيين موجودة في هذا الحي الدمشقي العريق حتى يومنا هذا. 
ومنذ عام 1948 انخرط الفلسطينيون في الحياة السورية على اعتبار أن دمشق لم تكن غريبة عنهم، وخصوصاً أهل الجليل الذين يشكلون معظم اللاجئين الفلسطينيين في سوريا إضافة لذلك ونتيجة ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية مرتبطة بما يتعرض له الشتات الفلسطيني من أزمات فقد جاءت إلى سورية عام 1956 أعداد من اللاجئين الفلسطينيين من لبنان ودول مضيفة أخرى، وشكّل هؤلاء فئة خاصة من حيث تعامل القانون السوري معهم، وإن كانوا قد أضيفوا إلى الكتلة الأساسية التي وفدت سنة 1948 والسنوات التي تلتها عبر تسجيلهم على قيود مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين والأونروا. 
بعد ذلك وإثر عدوان 1967 قامت سلطات الاحتلال بطرد 460 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة، مما أدّى إلى وفود أعداد أخرى من الفلسطينيين إلى سورية. 
ثم وبسبب الأحداث التي شهدها الأردن عام 1970 بين المقاومة الفلسطينية والسلطات الأردنية والتي أدّت إلى طرد المقاومة من الأردن وفد إلى سورية أعداد قليلة من الفلسطينيين المنضوين في صفوف المقاومة مع عائلاتهم، كما أن آخرين ليسوا من رجال المقاومة اندفعوا تحت وطأة الخوف من مجازر قادمة وفي حين تم تسجيل الوافدين عام 1956 على قيود مؤسسة اللاجئين والأونروا فإنه لم يتم تسجيل موجتي 1967 و1970 بشكل رسمي، وإن استطاعت بعض العائلات التسجيل هنا أو هناك. 
فلسطينيو سورية بالمقارنة 
يعتبر الفلسطينيون في سورية لجهة التصنيف القانوني غير سوريين، على الرغم من أن القانون السوري الخاص بمنح الجنسية يقوم على شرط أساسي هو الإقامة المتتالية لخمس سنوات في البلد، إلاّ أن الموقف السياسي المرتبط بالحفاظ على الهوية الوطنية للفلسطينيين والبعد القومي للقضية، وخاصةً اعتبار القضية الفلسطينية القضية الأولى في الخطاب السوري وفي الأدبيات المختلفة حالً دون منح اللاجئين الفلسطينيين في سورية الجنسية السورية رغم إقامتهم لعقود في هذا البلد ومعاملتهم بشكل أتاح لهم سوق العمل السوري تماماً كما العامل السوري. يقول عمر الشهابي عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات الخارجية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة): 
إن سورية هي أفضل بلد تمتّع فيه الفلسطينيون بالعمل وبالمشاركة السياسية والحزبية، حيث عاش الفلسطيني هنا متساوياً بالحقوق والواجبات مع المواطن السوري، مضيفاً إنها ميزة للاجئين الفلسطينيين في سورية عن باقي اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذي يمنع الفلسطيني من العمل في أكثر من 73 مهنة في إطار الاقتصاد اللبناني، وفي مصر حيث يمنع حامل الوثيقة المصرية دخول الأراضي المصرية دون فيزا مسبقة، في حين للفلسطيني في سورية حرية التنقّل والسفر والعودة شأنه شأن السوري تماماً. حقوق تبعاً للتصنيفات يصل عدد الفلسطينيين في سورية بحسب آخر إحصاء لمؤسسة اللاجئين إلى 460 ألفاً يضاف إليهم نحو مئة ألف غير مسجّلين في قيود المؤسسة، وبحسب أوقات اللجوء إلى سورية هناك أربع فئات من اللاجئين الفلسطينيين والنازحين يمكن ملاحظتها، على أن التصنيف المرتبط بأوقات اللجوء ينسحب على تصنيف آخر في التعامل القانوني معهم: 
ـ فئة اللاجئين عام 1948: ويشكّل هؤلاء الكتلة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في سورية وتشرف على شؤونهم مؤسسة حكومية تم تشكيلها بمرسوم جمهوري عام 1949 غايتها تنظيم شؤون اللاجئين الفلسطينيين ومعونتهم وتأمين مختلف حاجاتهم وإيجاد الأعمال المناسبة لهم واقتراح التدايبر لتقرير أوضاعهم في الحاضر والمستقبل، وأُتبع ذلك بصدور القانون 60 لعام 1956 الذي ساوى بين الفلسطيني والسوري في جميع المجالات الوظيفية والمهنية والعلمية باستثناء أمور تخصّ الانتخابات والترشيح لعضوية مجلس الشعب مع الاحتفاظ بالجنسية الفلسطينية، وبالمقابل يحقّ للاجئ الفلسطيني الانتخاب والترشّح في جميع الاتحادات والنقابات في سورية. ويحقّ للاجئي الـ 48 العمل والتدرّج الوظيفي إلى أعلى الدرجات في السلّم الوظيفي ويتلقّون خدمات صحية وتعليمية منتظمة، حيث يُشار إليهم دوماً بعبارة "من هم في حكم السوريين". 
ـ فئة اللاجئين عام 1956: تم تسجيل هؤلاء على قيود مؤسسة اللاجئين وعلى قيود الأونروا، وينطبق عليهم ما ينبطق على المنتسبين إلى الفئة الأولى، عدا أنهم لا يستطيعون دخول سوق العمل إلاّ من خلال التعاقد بصفة مؤقتة، وهذا يعني أنهم لا يستطيعون التدرّج في وظائف حكومية ولا يخضعون للخدمة الإلزامية.
 ـ فئة نازحي عام 1967: بالنسبة لمن استطاع التسجيل على قيود مؤسسة اللاجئين هؤلاء فإنه يعامل معاملة اللاجئين عام 1956، أما بالنسبة لغير المسجلين فإنهم يُعاملون معاملة الأجنبي، إذا كانوا من حملة وثائق السفر المصرية (قطاع غزة)، ومعاملة العربي المقيم إذا كانوا من حملة جوزات السفر الأردنية (المؤقتة). 
ـ فئة نازحي 1970: وتعتبر أوضاع هذه الفئة الأكثر تعقيداً، إذ إن الغالبية العظمى منهم لا تمتلك وثائق بعد إلغاء أو انتهاء مفعول جوازات السفر الأردنية التي كانوا يحملونها، أما الجزء الآخر فيحمل وثائق سفر للاجئين الفلسطينيين تصدر عن الحكومة المصرية (بالنسبة لأبناء قطاغ غزة) ويتوجّب على حملة الوثائق المصرية تجديد إقامتهم في سورية سنوياً، وثمة تقييدات على دخولهم سوق العمل وإن كانوا لا يعانون تمييزاً في الخدمات الصحية والتعليمية. 
أما من فقدوا جوازاتهم الأردنية نتيجة أسباب الهجرة والنزوح فلا يتطلّب الأمر منهم الحصول على بطاقة إقامة، لكنهم بالمقابل لا يستطيعون الحركة خارج سورية، ولا يستطيعون الدخول إلى سوق العمل بشكل منتظَم. وفي الواقع لا توجد قوانين واضحة في التعامل مع هذه الفئة، لكنها بالتأكيد الفئة الأكثر معاناة بين الفئات المذكورة
 ______________________________

الفلسطينيون في الدولة والجيش السوري

 
وصل فلسطينيون إلى مراتب عالية في الجيش السوري، إذ على سبيل المثال كان مسئول الحراسة الشخصية للرئيس حافظ الأسد لسنوات طويلة هو اللواء خالد الحسين اللاجئ الفلسطيني الذي حاز ثقة الرئيس الراحل نتيجة إخلاصه الشديد الذي عبر عن نفسه في أكثر من موقف عصيب، كما وصل جنرال فلسطيني أيضاً لقيادة سلاح الجو السوري وهو حازم الخضرا وسبق لفلسطيني آخر أن تسلم قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش السوري وهو اللواء مصباح البديري،كما كان أسعد كامل الياس المترجم الخاص للرئيس حافظ الأسد وهو فلسطيني من حيفا، وتدرج الفلسطيني محمود عزام في الرتب حتى صار رئيساً لأركان سلاح الجو السوري وكان الفلسطيني محمد الشاعر مسئول التحصين في جبهة الجولان ،وكل هؤلاء ليسوا الا امثلة من كثيرين غيرهم، كما وصل عدد غير قليل إلى مناصب مدنية مهمة مثل وزراء ومساعدي وزراء ومدراء عامين لمؤسسات وإدارات حكومية مهمة مثل أحمد يوسف الحسن من أم الفحم عميد كلية الهندسة في حلب ثم وزير الكهرباء والمعادن والنفط لمدة أربع سنوات ثم عين رئيسا لجامعة حلب ثم أستاذ زائر في جامعة لندن وأحمد سليم درويش وهو من مواليد ترشيحا وزير دولة ثم عين وزيرا للاسكان. 

ولم يغب الفلسطينيون عن الصراعات السياسية التي ميزت حقبتي الخمسينات والستينات في سوريا، فأيدوا حركة جاسم علوان التي كانت تريد إعادة الوحدة بين مصر وسوريا بعد وصول الانفصاليين إلى السلطة عام 1962، كما كانوا إلى جانب الناصريين في صراعهم مع البعثيين بعد «ثورة» الثامن من مارس عام 1963. ولكن ذلك لم يصل إلى اتخاذ إجراءات انتقامية منهم بعدما فشلت حركة الناصريين، بل أعدم المشاركون في المحاولة الانقلابية فلسطينيون وسوريون على حد سواء، من دون أن يعتبر ذلك موقفاً من الفلسطينيين كفلسطينيين.
 

 ______________________________

  الفلسطينيون في الفن السوري

في تاريخ الفن السوري كثير من الممثلين والكتاب والفنانين الفلسطينيين الذين رفدوا مسيرة الفن السوري بعطاءات مميزة، واضطلعوا بأدوار تأسيسية وريادية،فكان لهم دور بارز في مسيرة المسرح والسينما والتلفزيون منذ البدايات التأسيسية الأولي.

يعقوب أبو غزالة 150: مسرحية!

يحفل سجل نقابة الفنانين السوريين بالعديد من الأسماء… التي حملت في مكان مولدها أو نسبها اسم مدينة فلسطينية… ومن الأسماء المبكرة التي ساهمت في مسيرة الفن السوري، يبرز اسم الفنان (يعقوب أبو غزالة) وهو من مواليد مدينة (يافا 1926)، وقد بدأ حياته الفنية في فلسطين عام 1940 فعمل في إذاعة القدس وعلي المسارح فيها،وحين حدثت نكبة 1948 لجأ إلي سورية وأقام في دمشق حيث انضم إلي الفرقة السورية للتمثيل عام 1949 وعمل مع رواد الفن السوري آنذاك: (حكمت محسن ـ تيسير السعدي ـ أنور البابا) وحين تم تأسيس المسرح القومي السوري عام 1960 كان أحد مؤسسيه، وقد شارك في أكثر من مئة وخمسين مسرحية بدءا من العرض الافتتاحي للمسرح القومي (المزيفون) الذي أخرجه نهاد قلعي الذي اختاره أيضاً في (البرجوازي النبيل) ومن أبزر أعماله المسرحية (الفخ ـ المفتش العام) إخراج هاني صنوبر (شيخ المنافقين ـ عدو الشعب ـ العنب الحامض ـ الفلسطينيات ـ احتفال ليلي خاص لدريسدن ـ الغرباء) إخراج علي عقلة عرسان (السعد ـ سيزيف الأندلسي) إخراج أسعد فضة (أغنية علي الممر ـ جان دارك ـ زواج علي ورقة طلاق) إخراج محمد الطيب وغيرها الكثير من المسرحيات، وقد كان ليعقوب أبو غزالة كذلك حضوراً هاماً في الدراما التلفزيونية، حيث شارك في العديد من الأعمال التلفزيونية المبكرة (أرشيف أبو رشدي ـ وجهاً لوجه) إخراج علاء الدين كوكش (مواقف عربية ـ الثائر الصغير) إخراج شكيب غنام (الجرح القديم) إخراج سليم موسي (ياقوت الحموي ـ حكاية مرزوق ـ البيادر) إخراج محمد فرودس أتاسي… وكان دوره في الفيلم التلفزيوني (الولادة الجديدة) الذي أخرجه غسان باخوس عام 1985 من أعماله التلفزيونية الأخيرة ـ وقد كرم عام 1985 لمناسبة اليوبيل الفضي لإنشاء التلفزيون السوري.

بسام لطفي: لم أشعر بغربة يوماً!

رحل يعقوب أبو غزالة في نهاية ثمانينات القرن العشرين ورغم أنه قضي في سورية نحو أربعة عقود من عمره إلا أن لكنته الفلسطينية ظلت تميزه حتي في بعض الأدوار التي أداها بالعامية السورية بخلاف قريبه الفنان (بسام أبو غزالة) الذي اختار اسماً فنياً هو (بسام لطفي) والذي جاء إلي دمشق بعد النكبة وعمره ثماني سنوات (مواليد طولكرم 1940) وهو يقول إنه لم يكن غريباً عن دمشق، لأن أمه في الأساس من أصول سورية. وبخلاف ابن عم والده، فإن بسام أبو غزالة بدأ نشاطه الفني في دمشق، حين أسس مع الفنان السوري سليم صبري عام 1958(نادي الشباب العربي) وقدم مسرحية عن فلسطين بعنوان (قسماً بالدماء) لاقت نجاحا مميزا في حينه.
وقد ساهم بسام لطفي في تأسيس الكثير من المؤسسات الفنية السورية، كالمسرح القومي السوري الذي شارك في أول عرضين مسرحيين له: (براكساجورا) إخراج رفيق الصبان (المزيفون) إخراج نهاد قلعي، كما شارك في الفترة نفسها في تأسيس المسرح العسكري السوري، وعمل فيه لمدة سبع سنوات قدم فيها العديد من المسرحيات مع الفنان محمود جبر (مدير بالوكالة ـ ترفيع استثنائي) والواقع أن الفنان بسام لطفي، كان قاسماً مشتركاً في النشاط الفني الفلسطيني الذي شهدته دمشق، وفي العديد من الأعمال الفنية التي تناولت القضية الفلسطينية، فقد ساهم في تأسيس المسرح الوطني الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير عام 1968، وقدم فيه أكثر من عمل مسرحي عن فلسطين (الطريق ـ شعب لن يموت) وفي المسرح القومي (الغرباء) إخراج علي عقلة عرسان و(كفر قاسم) إخراج محمد الطيب وفي السينما كان لبسام لطفي حضوراً هاماً في أفلام مؤسسة السينما السورية التي تناولت القضية الفلسطينية: (السكين) لخالد حمادة عن قصة (ما تبقي لكم) لغسان كنفاني و( المخدوعون) لتوفيق صالح عن (رجال تحت الشمس) لغسان كنفاني أيضا و (الاتجاه المعاكس) لمروان حداد و (فدائيون حتي النصر) وهو من إنتاج القطاع الخاص وإخراج سيف الدين شوكت و(سافاري) الذي أنتج في الجزائر وأخرجه سليم رياض و(القدس حبيبتي) الذي أنتج في الباكستان، وأخرجه أفتاب أحمد، كما لعب بطولة أول فيلم سينمائي روائي طويل ينتجه التلفزيون السوري وهو (التقرير) إخراج هيثم حقي وكان له حضور دائم في عشرات الأعمال التلفزيونية، منذ أول مسلسل أنتجه التلفزيون السوري (ساعي البريد) عام 1962 ومرورا بكلاسيكيات الأبيض والأسود (مواقف عربية ـ انتقام الزباء ـ كراكوز وعيواظ) وانتهاء بالأعمال التي الأخيرة.

 كما أن ابنه (إياس أبو غزالة) قد درس التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق وهو من الوجوه الشابة التي حظيت بفرص هامة في التلفزيون.

يقول بسام لطفي: (أنا أشعر أن ما يقدم لي من فرص عمل في سورية لا يختلف علي الإطلاق عن أية فرصة ينالها فنان سوري هذه الحساسيات غير موجودة وأنا حاليا عضو في مجلس نقابة الفنانين ـ فرع دمشق ولو أن هناك تمييزاً لما كنت في هذا الموقع وأساساً لم أشعر يوما بغربة في سورية، لأنها جزء من وحدة جغرافية اسمها بلاد الشام تشمل بلدي فلسطين أيضا وهذه الوحدة كان أهلها متمازجون في العادات والتقاليد والصلات أيضا وصدقني أنه لا يوجد فرق خاصة أن سورية بلد مفتوح لكل العرب بخلاف كل البلدان العربية الأخري وهذه حقيقة تؤكدها الوقائع التاريخية وليس الكلام فقط).

 يوسف حنا: مدير المسرح القومي السوري!

 وفي تاريخ الحركة الفنية السورية يبرز اسم فنان فلسطيني كان له حضور بارزفي تاريخ المسرح والسينما والتلفزيون هو الفنان يوسف حنا (مواليد عكا 1940) الذي رحل عام 1993 وهو يشغل منصب مدير المسرح القومي في سوريا.

 وقد بدأ يوسف حنا مسيرته الفنية في دمشق عام 1959 من خلال (ندوة الفكر والفن) التي أسسها رفيق الصبان عام 1959، ثم من خلال المسرح القومي الذي قدم فيه عشرات الأدوار المسرحية الهامة، التي شهدت بأصالة موهبته وعمق ثقافته: (عرس الدم ـ التنين ـ السيل ـ الملك العاري ـ سيزيف الأندلسي ـ رقصة التانغو ـ سهرة مع أبي خليل القباني ـ حرم سعادة الوزير) إخراج أسعد فضة (زيارة السيدة العجوز ـ موتي بلا قبور ـ احتفال ليلي خاص لدريسدن) إخراج علي عقلة عرسان (حفلة سمر من أجل 5 حزيران ) إخراج علاء الدين كوكش، (رأس المملوك جابر) تأليف وإخراج سعد الله ونوس (شقائق النعمان) بطولة وإخراج دريد لحام وفي السينما استطاع يوسف حنا أن يحصد العديد من الفرص العامة رغم قلة الإنتاج السينمائي في سورية عموماً.. فقدم بين عامي (1969 ـ 1993) ثلاثة عشر فيلما سينمائياً كان أولها (الرجل) للمخرج فيصل الياسري ومن إنتاج التلفزيون السوري وآخرها (شيء ما يحترق) للمخرج غسان شميط ومن إنتاج المؤسسة العامة للسينما.

وفي التلفزيون تحول يوسف حنا إلي نجم الأدوار الصعبة… وارتبط حضوره التلفزيوني بداية بالمخرج علاء الدين كوكش في أعمال: (أرشيف أبو رشدي ـ وجهاً لوجه ـ حارة القصر ـ أولاد بلدي ـ أسعد الوراق ـ جابر وجبير) في الستينات والسبعينات إلا أنه سرعان ما غدا خياراً مفضلا لدي العديد من المخرجين الهامين وفي سنواته الأخيرة حقق حضوراً متميزاً في أعمال المخرج هيثم حقي (عز الدين القسام ـ غضب الصحراء ـ صور اجتماعية ـ هجرة القلوب إلي القلوب ـ الدغري ـ موزاييك) وعمل بكثافة في السنوات الأخيرة من حياته في عشرات الأعمال التلفزيونية (أبو كامل) مع علاء الدين كوكش (الخشخاش) مع بسام الملا ( الشريد) مع غسان باخوس (اختفاء رجل) مع مأمون البني، وكان مسلسل (البديل) مع المخرج محمد فردوس أتاسي آخر أعماله.
والواقع أن يوسف حنا تحول في السنوات الأخيرة إلي عميد أسرة فنية أيضاً فشقيقته (أمل حنا) هي كاتبة ومخرجة في التلفزيون السوري، وقد سبق أن أخرجت للتلفزيون السوري في نهاية الثمانينات رباعية تلفزيونية من تأليفها وبطولة يوسف حنا بعنوان (أحزان عادية) وقد عرض لها في موسم رمضان المنصرم مسلسل من تأليفها هو (علي حافة الهاوية) وابنة عمه الكاتبة (ريم حنا)، غدت في السنوات الأخيرة واحدة من كاتبات الدراما التلفزيونية اللامعات… وشقيقها (رامي حنا) تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية في تسعينات القرن العشرين وقد برز كممثل في العديد من الأعمال، كما تصدي هذا العام لأول محاولة إخراجية حين أخرج مسلسل (عنترة).

الكاتب أحمد قبلاوي: مدير المسرح الجوال!

 وفي تاريخ الحركة الفنية السورية، حضور متميز لكتاب المسرح والدراما التلفزيونية الذين جاءوا من فلسطين ولعل أقدم هؤلاء الكاتب (أحمد قبلاوي) الذي تذكر سجلات نقابة الفنانين السوريين أنه من مواليد (حيفا 1937) وقد جاء إلي دمشق بعد نكبة 1948 وتوفي فيها عام 1984 وهو في السابعة والأربعين من العمر، لكن أحمد قبلاوي استطاع أن يقدم لكلاسيكيات التلفزيون السوري أحد أهم المسلسلات في فترة الأبيض والأسود وهو (دولاب) الذي أخرجه غسان جبري في جزأين عام 1972 وكان أول مسلسل أجزاء في تاريخ الدراما السورية، وقد لاقي حينها نجاحا مميزاً لأنه يرصد تاريخ المنطقة الاجتماعي والسياسي ببساطة وصدق.
وقد كتب أحمد قبلاوي العديد من الأعمال التلفزيونية كتمثيلية (عرقين زنبق) إخراج غسان جبري ومسلسل (بريمو) إخراج رياض دياربكرلي 1978 وتمثيلية (خريف الأيام) إخراج طلحت حمدي عام 1984 وقد كان لأحمد قبلاوي نشاط مسرحي حيث عينته وزارة الثقافة مديراً للمسرح الجوال، كما قدم العديد من الأعمال المسرحية الشعبية مع الفنان محمود جبر، ومع المخرج غسان جبري.

الكاتب أكرم شريم: في الدراما لا يوجد سوري وفلسطيني!

 ومن الكتاب البارزين في تاريخ الدراما التلفزيونية السورية الكاتب أكرم شريم، الذي جاء إلي دمشق بعد النكبة فعشقها وأبدع فيها وكتب المجتمع السوري في أجمل المسلسلات (أولاد بلدي) الذي أنتجه التلفزيون السوري عام 1972 وأخرجه علاء الدين كوكش، وكان صرخة حادة هزت المجتمع حول قضايا الشباب وصراع الأجيال ومسلسلي (حب واسمنت) و(تجارب عائلية) مع المخرج نفسه و(أيام شامية) الذي كان قصيدة عشق للبيئة الدمشقية وكان فاتحة الأعمال التي استلهم فيها المخرج بسام الملا تلك البيئة.
وقد سألت الكاتب الفلسطيني أكرم شريم عن سر براعته في تقديم البيئة الدمشقية وملامسة مشكلات المجتمع السوري عموماً في أعماله فأجاب قائلا: (في الدراما لا يوجد سوري وفلسطيني، ففي عام 1948 حين انتقلنا إلي دمشق كان عمري خمس سنوات وقد عشت في دمشق طوال العمر ولم أفارقها ومن الطبيعي أن من يعيش في بلد نحو 60 عاماً أن يكتب فيها وعنها وبلغتها.
ولو عشت في مصر لكتبت في الدراما المصرية، ولو عشت في لبنان لكتبت كذلك في الدراما اللبنانية أضف إلي ذلك حقيقة أن من يعيش في دول الجوار لفلسطين كأنه يعيش في بلده لأنها مجاورة ويوجد مكتب لمنظمة التحرير في دمشق منذ سنوات طويلة وقيادات اجتماعية وسياسية وأدبية وصحافية فلسطينية.
 لهذه الأسباب مجتمعة لم أشعر بأي فرق أو بعد حين كنت أكتب في الدراما السورية، خاصة وأني أنشأت المسرح الوطني الفلسطيني عام 1972 وكنت مديرا وكاتباً لهذا المسرح وعرضت في دمشق وبغداد) وأسأل الكاتب عن سر قلة إنتاجه في الدراما السورية رغم تميز ما قدمه من أعمال فيقول: (بصراحة لو كنت أنسجم مع الطرف المنتج والمخرج وأشعر بالأمان للنص لكنت كتبت أضعاف هذه الأعمال)

هاني السعدي: من التمثيل إلي الكتابة!

وبخلاف الكاتب أكرم شريم المقل في أعماله، فإن الكاتب الفلسطيني الأصل (هاني السعدي) وهو من مواليد (صفورية 1944) يبدو من أغزر الكتاب في الدراما السورية اليوم… إلا أن إنتاجه يأخذ طابعاً تجارياً أحياناً كثيرة، وهو متفاوت بشدة من حيث القيمة الفنية.
وقد بدأ هاني السعدي حياته ممثلا في السينما والمسرح والتلفزيون في أعمال المخرج علاء الدين كوكش: (أولاد بلدي ـ أسعد الوراق ـ تجارب عائلية ـ بيوت في مكة) وفي أعمال مسرحية أخرجها كوكش ايضاً في السبعينات (حفلة سمر من أجل 5 حزيران ـ لا تسامحونا) وفي أعمال سينمائية وتلفزيونية أخري متفرقة، إلا أنه سرعان ما اتجه إلي الكتابة الدرامية منذ ثمانيات القرن العشرين وكتب العديد من الأعمال (غضب الصحراء ـ دائرة النار) إخراج هيثم حقي (البركان) إخراج محمد عزيزية (الجوارح ـ الكواسر ـ البواسل ـ الفوارس ـ الموت القادم من الشرق) إخراج نجدت أنزور (أبناء القهر ـ عصر الجنون) إخراج مروان بركات (حاجز الصمت ـ أسياد المال) إخراج يوسف رزق وغيرها كثير من الأعمال.

حسن عويتي: ما بين التمثيل والإخراج!

 وما بين الكاتبة والتمثيل والإخراج يبرز اسم الفنان الفلسطيني (حسن عويتي) وهو ممثل ومخرج مسرحي وتلفزيوني من مواليد عكا… كان له نشاط ملحوظ في الدراما السورية في السنوات الأخيرة، فقد أخرج للتلفزيون السوري عام 1994 سهرة تلفزيونية بعنوان (الستار) وأخرج عام 2001 رباعية تلفزيونية بعنوان (أنا وأبنائي). كما له حضور مميز في أعمال هامة كممثل في السنوات الأخيرة (عز الدين القسام ـ اختفاء رجل ـ جريمة في الذاكرة ـ يوميات مدير عام ـ بقعة ضوء ـ التغريبة الفلسطينية ـ خلف القضبان ـ علي حافة الهاوية) ناهيك عن نشاطه المسرحي حيث تسلم رئاسة قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية أكثر من مرة.

ومن المخرجين الفلسطينيين الذين أسهموا في الدراما السورية المخرج باسل الخطيب، ابن الشاعر الفلسطيني المعروف يوسف الخطيب، والذي أخرج في السنوات العشر الأخيرة عدداً كبيراً من المسلسلات ذات الإنتاج الضخم، والمتفاوتة في سويتها ونجاحاتها، من قبيل (الخريف ـ أيام الغضب ـ هوي بحري ـ نساء صغيرات ـ حنين ـ أبو زيد الهلالي ـ نزار قباني ـ رسائل الحب والحرب-جمال عبد الناصر-أدهم الشرقاوي) كما لا بد وأن نذكر طالما دخلنا في هذه النبذة عن دور الفنانين الفلسطينيين في الفن السوري الفنان الفلسطيني الأصل أديب قدورة وهو من مواليد ترشيحا قضاء عكا في فلسطين، وهو من مؤسسي نقابة الفنانين السوريين بدأ كفنان تشكيلي ومهندس ديكور، ولكن سرعان ما جذبه التمثيل فأجاد به شارك ببعض الأفلام الإيطالية ومن أعماله في المسرح هبط الملاك في بابل، مأساة جيفارا،سمك عسير الهضم ، السيد بونتيلا وتابعه ماتي،وثلاثية لتشيخوف،وله سبعة وثلاثون فيلما منها الفهد،وجه آخر للحب،بقايا صور،غوار جيمس بوند،العالم سنة 2000،رحلة عذاب،العار ومن المسلسلات عز الدين القسام،الحب والشتاء ومن الجوائز خمسة جوائز عالمية للدولة،رشح لمرتبة أفضل ممثل لعام 1976 عبر إستفتاء جماهيري لجريدة الثورة السورية،رشح لمرتبة أفضل ممثل عربي لعام 1979 عبر إستفتاء جماهيري لجريدة الدستور الأردنية،رشح لمرتبة أفضل ممثل عن آسيا وأفريقيا في أيام قرطاج السينمائية لعام 1980، وتطول قائمة الفنانين الفلسطينيين في تاريخ الفن السوري، منهم من رحل وغاب منذ سنوات كالممثل محمد صالحية، الذي تعمل ابنته منال صالحية مخرجة برامج في التلفزيون السوري ومنهم من لازال حاضراً بعطائه ولكنته الفلسطينية الظاهرة كالممثلة فرح بسيسو التي ُحسبت دائماً علي الفن السوري رغم أنها قضت فترة من حياتها ودراستها لفن التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت

 نزار أبو حجر: تمازج شعبي حقيقي!

لكن ربما لم يكن يتصور أحد أن يكون الممثل (نزار أبو حجر) الذي أتقن دور (أبو غالب) بائع البليلة في مسلسل (باب الحارة) والذي يتقن اللهجة الدمشقية القحة بأكثر أصولها الشعبية قدماً وعراقة هو فلسطيني الأصل أيضا. ونزار الذي يقول إنه ابن أسرة فلسطينية من مدينة القدس، يوضح أن أمه سورية وأن خاله هو الفنان (أنور البابا) الذي اشتهر بأدائه لشخصية أم كامل وأحد رواد الفن في سورية، ويضيف قائلا: (انتقلت الأسرة للإقامة في دمشق بعد النكبة لكن التمازج موجود قبل ذلك التاريخ فهناك تمازج شعبي حقيقي بين أبناء بلاد الشام منذ القدم، وربما هذا تجلي في التجارة والاقتصاد والمقاومة والتكوين العائلي قبل أن يتجلي في الفن لاحقاً) وأسأل نزار أبو حجر عن الهامش المتاح للفنان الفلسطيني في سورية فيقول بحماس صارخ: (الدولة الوحيدة التي استطاع الفنان الفلسطيني أن يثبت نفسه في كل المجالات الفنية هي سورية… فهناك فنانون فلسطينيون في دول الشتات عندهم إمكانيات لكن الهامش معدوم، والحساسية القطرية تحول دون توسيعه… الأمر الذي يؤكد أن الروح القومية حقيقية، ونابعة من روح الشعب وليست مجرد شعارات) وهناك فنانون آخرين برزوا علي الساحة السورية وهم من أصل فلسطيني كنسرين طافش وديمة بياعة وتيسير إدريس وعبد المنعم عمايري وأناهيد فياض وشكران مرتجي وفداء كبرا وصفاء سلطان وأحمد رافع وإبنه محمد رافع والمخرج المثني صبح الذي حصل علي الجنسية السورية مؤخرا وغيرهم الكثير.
 
______________________________

الفلسطينيون في الإقتصاد السوري


  عندما نزح الفلسطينيون إلى سورية، جاؤوا بألبستهم فقط، فلا أموال منقولة ولا ملكيات، وبالتالي كان عليهم الانطلاق هنا من الصفر. إلاّ أن عدّة عوامل تضافرت هنا فجعلت منهم قوة حقيقية في الاقتصاد السوري: يقول عمر الشهابي: استقر الفلسطينيون بشكل أساسي وحصري، في المدن السورية وخاصةً في دمشق ،فكان ذلك حافزاً لهم للدخول في النشاطات ذات الطبيعة (المدنية) إضافة إلى تكافؤ الفرص مع السوري الذي أتاحه لهم القانون، إلاّ أنهم وبحكم الحاجة عملوا بنشاط أكبر مما لدى السوريين وهذا ما سرّع في عملية النهوض الاقتصادي لديهم. ويضيف الشهابي سبباً آخر وهو كمّ التعاطف والمساعدة الذي لقيه الفلسطيني في سورية من السوريين أنفسهم باعتباره مظلوماً صاحب قضية عادلة، مما وفّر له بيئة حاضنة ومتقبّلة للنشاطات التي يمكن أن يقوم بها.

 أمّا العامل الثالث الذي ساهم في نجاح الفلسطينيين في جميع النواحي ومنها اقتصادياً، فهي وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي كانت ولا تزال أهم جهة دعمت الفلسطينيين في سورية وباقي دول الشتات، حيث ركّزت جهودها على التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، وكان نتيجة لهذه الجهود أن نشأ جيل فلسطيني مؤهّل بكفاءة عالية استفاد من خدمات الوكالة التي تمتلك في سورية بنية تحتية علمية هائلة أتاحت لهم التعلّم بتكاليف قليلة وبنوعية عالية، وبالتالي دخل إلى سوق العمل بقوة نظراً للمؤهلات الكبيرة التي يتمتع بها، في حين اختار قسم آخر من هؤلاء السفر إلى بلدان الخليج والعمل في مفاصل مهمة وتحقيق مردود مادي كبير جاء جزء كبير منه فيما بعد للاستثمار في سورية وكداعم لدخل الفلسطينيين وبالتالي للاقتصاد السوري. 
إلاّ أن أهم المواصفات التي تحسب للفلسطينيين في سورية كما يقول الكثير منهم: هي أن القليل جداً منهم من دخل في المجالات المحظورة اقتصادياً أو تلك المنبوذة اجتماعياً، فأنت لن ترى فلسطينيين يُعتّد بأعدادهم يعملون مثلاً في الدعارة، وهذا على العكس من بعض اللاجئين الآخرين في سورية والذين خلال سنوات إقامة قليلة فقط ارتبطت الدعارة بهم بشكل لا مثيل له. فترة إزدهار تجاري يجمع الكثير من الفلسطينيين على أن حقبة السبعينيات هي الانطلاقة بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني، ويبدو مخيم اليرموك مثالاً ناصعاً على ذلك، فهذا المكان الذي بدأ العمل التجاري فيه على يد بعض (الشوام) سرعان ما تحوّل إلى أهم مركز تجاري في دمشق. وفي هذه الأثناء راحت تتشكّل لدى اللاجئين الفلسطينيين قناعة راسخة مفادها أن لا عودة محتملة أو قريبة إلى الوطن، فبدأت الأعمال تأخذ طابع الاستقرار. يقول هشام العائدي: (صاحب مجموعة من المحلات التجارية ومعمل لإنتاج الألبسة): إن الفلسطينيين الذين ذهبوا إلى الخليج وعادوا إلى سورية بوضع مادي جيد اتجهوا إلى العمل التجاري، وخاصة من خلال المحلات التجارية. 
لقد بدأ الأمر عبر تحويل البيوت الملاصقة للشارع إلى محال تجارية، ووصل الأمر اليوم ليصبح شارع لوبيا هو ثالث أهم سوق في دمشق بعد (الحمرا والصالحية) وسوق باب توما. إلا أن أهم ما يميز عمل الفلسطينيين في التجارة هو الجرأة والمغامرة، وهنا يصح تشبيه أبناء مدينة صفد الفلسطينية بالتجار الشوام (من حيث الشطارة)، وهؤلاء هم الذين أخذوا على عاتقهم بشكل أساسي العمل التجاري في سوق اليرموك والأسواق الأخرى، حتى إنهم سيطروا على سوق الحريقة في مرحلة من المراحل. واليوم وبعد أن كانت قيمة المحل التجاري في المخيم في التسعينيات لا تتجاوز المليوني ليرة وصلت هذه الأسعار إلى أرقام فلكية قد تتجاوز العشرين مليوناً أحياناً. وبحسب إحصائيات شبه مؤكدة فإن مخيم اليرموك وفلسطين يضمان ما مجموعه 15 ألف محل تجاري من كل الأنواع والأصناف، إلاّ أن 25% منها فقط هي الحاصلة على ترخيص نظامي. ويحوي شارع لوبيا وحده ما يزيد عن 300 محل ألبسة، يحقّق المحل الواحد منها وسطياً رقم مبيعات سنوي يصل إلى عشرة ملايين ليرة سورية وذلك بحسب هشام العائدي الذي يملك محلّين تجاريين ومعملاً للألبسة يعمل فيهم نحو 18 عاملاً وموظفاً. سوق لكل شيء يعتبر مخيم اليرموك أهم مركز تجاري على الكثير من الصعد، حتى إن مقولة يردّدها الفلسطينيون والقاطنون هنا مفادها: إن من يسكن في المخيم لا يحتاج للخروج منه إلاّ في حالات قليلة جداً، وهي حتماً لا تتعلّق بالتسوّق. فهذا المخيم يضم إضافة إلى هذا السوق الضخم للألبسة، أكبر تجمّع لمحلات السيراميك في دمشق وأكثر من 50 معمل ألبسة والعديد من معامل الشوكولاته. والعديد من محلات الصاغة (52) محل ذهب، تنافس في مبيعاتها أهم محلات الذهب في الحريقة، ويقول موفق العائدي صاحب إحدى محال الذهب: إن ميزة المخيم هي في أسعاره المنخفضة، وهذا ما جلب معظم الناس إلى أسواقه، مضيفاً إن العمولة التي نتقاضاها هنا على الإسوارة لا تتجاوز 300 ليرة سورية في حين تصل في الحريقة إلى ألف ليرة سورية علماً أننا نتساوى في الضرائب. من جانب آخر يضم المخيم بفرعيه (اليرموك وفلسطين) أكثر من 58 معهداً تعليمياً خاصاً، 40 منها لفلسطينيين والباقي يملكها سوريون. ويجمع العديد من أصحاب المحال على اختلافها أن السوريين بدؤوا يتملكون عددا من المحلات التجارية في المخيم بعد أن قاموا ببيع محلاتهم في أماكن تجارية أخرى والتوجه إلى هذا السوق الذي يثبت أنه الأكثر جذباً للزبائن ومن شرائح مختلفة وبالتالي الأكثر مردودية.

  التعهدات أيضاً

  منذ قدومهم إلى سورية دخل فلسطينيو الجيل الأول في قطاع التعهدات السوري فشاركوا في تنفيذ العديد من مشروعات البنى التحتية كالطرق والجسور وبناء المدارس وغيرها من الأعمال، وعُرف من هؤلاء أبو العبد الشهابي وأبو علي الشهابي وأبو رستم الشهابي، وهذا الأخير لديه أكبر شركة للمقاولات مركزها ريف دمشق يُقدّر حجم أعمالها بمليار ليرة سورية، ويملكها اليوم أبناؤه الأحد عشر الذين ينفذ كل واحد منهم مشروعات خاصة به ولكن دائماً تحت اسم العائلة، ولدى الشركة اليوم مجبول بيتوني و40 سيارة كبيرة، وكذلك معدات طرق ثقيلة وتُقدر موجودات الآليات في الشركة بما يزيد عن نصف مليار ليرة سورية، يعمل فيها نحو 400 عامل وموظف. ونظراً لدخول الفلسطينيين الكبير في المقاولات لا غرابة أن يشكّل هؤلاء نسبة كبيرة من نقابة مقاولي ريف دمشق، حيث وصل عددهم إلى 179 مقاولاً من أصل 210، وليكون رئيس هذه النقابة فلسطينياً. إستثمارات من نوع آخر ربما لم يبق نوع من الأعمال الاقتصادية خارج اهتمامات الفلسطينيين في سورية، وضمن هذا السياق يأتي دخولهم إلى قطاع الصحة، حيث كان هؤلاء من أوائل المستثمرين الداخلين في هذا المجال. ويعتبر مشفى الأسدي في دمشق من أول المشافي الخاصة في سورية، ففي سنة 1970 قررت محافظة دمشق إنشاء مشفى خاص في منطقة (المزة الجديدة)، وقتها كما يقول أحد المستثمرين في المشفى الدكتور زياد الأسدي كانت سورية تفتقر إلى المشافي الخاصة، فدخلتُ ومجموعة من الأطباء بما فيهم إخوتي في المناقصة، وفزنا بالعقد، وتبلغ طاقة المشفى 80 سريراً، ويضيف الأسدي: تم التعامل معنا كفلسطينيين بشكل رائع فعلاً، حتى إنهم لم يسألوا إن كنا فلسطينيين، عوملنا معاملة السوري ولذلك نحن هنا في هذا المشفى لا نسأل من السوري ومن الفلسطيني، حتى إن معظم الموظفين هنا هم من السوريين. ويكشف الأسدي عن مشروع جديد هو قيد الدراسة ينوي طرحه قريباً وسيتم تنفيذه بموجب القانون رقم 10، وسيكون مقر المشروع في قرى الأسد وهو عبارة عن مشفى وكلية للطب، وهو كما يقول فكرة جديدة وقد طرحناها على مجموعة من المستثمرين السوريين في أميركا وأبدوا استعداداً، ويقدّر زياد الأسدي كلفة المشروع المرتقب بنحو 200 مليون ليرة سورية فضلاً عن قيمة الأرض التي أصبحت جاهزة ويصل سعرها إلى نحو 150 مليون ليرة، وهي عبارة عن محضر كبير جاهز لتنفيذ المشروع "إن حصلنا على التراخيص اللازمة".

  مستثمرون فلسطينيون 

خلال مسيرة اقتصادية استمرت لنصف قرن لمع من الفلسطينيين العديد من الأسماء التي تركت بصمة في الحياة الاقتصادية السورية. وإذا كان من الصعب الإحاطة بكل هؤلاء، فإن الفلسطينيين أنفسهم يسمّون بعض أهم هؤلاء الذين استطاعوا إيجاد أماكن مميزة لهم في قطاع الأعمال السوري بمختلف فعالياته، ويجمع هؤلاء على أن عوض عمورة واحد من أهم المستثمرين الفلسطينيين في سورية والذي يملك مجموعة من الشركات أهمها تلك المختصة بسحب الألمنيوم وأخرى لتكرير الزيوت ويعمل في منشآته هذه أكثر من 1200 عامل من السوريين والفلسطينيين،وسعيد عزيز صاحب محلات ومعامل آسيا للألبسة وابو كمال يوسف وكيل شركة غروهي الألمانية في سورية وياسر قشلق وهو رئيس مجلس إدارة شركة مجد الخليج القابضة والتي تملك وتدير مشاريع في سورية ولبنان والإمارات.  

وفيما يتعلق بطريقة التعامل التي يلقاها هؤلاء (كفلسطينيين ومستثمرين) يؤكد مدير مكتب الاستثمار مصطفى الكفري أنها كالمعاملة التي يلقاها المستثمر السوري تماماً. إقتصاد المنظمات، صامد نموذجاً بعيداً عن أجواء العمل الخاص يتشكل الاقتصاد الفلسطيني في سورية من العديد من المؤسسات التابعة لبعض التنظيمات السياسية الفلسطينية، وحتى سنوات غير بعيدة كانت هذه المؤسسات تحقق تواجداً قوياً على الأرض نظراً للأعمال التي تقوم بها وكذلك للمهمات الاجتماعية التي تتولاها. وتبدو مؤسسة صامد (جمعية معامل أبناء شهداء فلسطين) مثالاً على هذا النوع من المؤسسات. ويقول إبراهيم عبيد (أبو أيمن) الذي يتولى إدارة هذه المؤسسة في السنوات الأخيرة: كانت "صامد" جزءاً من تشكيلة العمل الوطني الفلسطيني، وقد تأسست عام 1980فكانت تضم مجموعة مزارع إنتاج حيواني في ريف دمشق ودرعا (مزرعة دواجن ومزرعة أبقار) وبعض المواقع الإنتاجية ومشاغل الخياطة ومطبعة. ويضيف أبو أيمن: مرّت هذه المؤسسة بمرحلتين: ما قبل الانتفاضة وما بعدها، فحتى 1990 كانت المؤسسة مزدهرة وحققت نتائج اقتصادية جيدة وخاصةً بفضل المزارع ومعمل الألبسة الذي كان يصدّر بضاعة إلى ليبيا، ودائماً تحت لواء الدعم الذي كانت ترفعه ليبيا وغيرها من الدول العربية للنضال الفلسطيني. في تلك الفترة يقول عبيد: كانت الحكومة السورية توفّر كل وسائل الدعم للمؤسسة، بما فيها إعفاء كل مستورداتها من الضرائب والرسوم الجمركية، تماماً كأي مؤسسة حكومية سورية، إلا أن هذا الانتعاش لم يستمر، فبعد الانتفاضة وتحديداً بعد عام 1990 بدأت انتكاسات المؤسسة بالتوالي فتقلّصت المشاغل من 7 إلى مشغل واحد، كما أن المزارع أُهملت وبيع جزء منها بينما عرض الجزء الآخر للاستثمار، وتوقف التصدير إلى ليبيا، إلا أن عبيد يقول: إن مرحلة ثالثة بدأت في عام 2003 يقودها شخصياً وهناك خطة لإخراج المؤسسة من عجزها على الأقل، وفي هذا الإطار تم افتتاح العديد من الأعمال الجديدة كمطبعة الحرير التي استحدثت مؤخراً والمنجرة واستديو التصوير، وقسم الزنكوغراف، والأهم ترميم صالة العرض الرئيسية، هذه الصالة التي تعنى بنشر التراث الفلسطيني إضافة إلى الهدف الاقتصادي الربحي، وشاركت المؤسسة في السنتين الأخيرتين بنحو 30 معرضاً أقيم في سورية، حيث يتم عرض بضائع فلسطينية (من الداخل الفلسطيني) لتباع إلى العديد من الزبائن والتجار في سورية وغيرها من الدول. ويؤكد أبو أيمن: خروج صامد من أزمتها هو ضمن خطتنا، وقد حققنا خطوة في الطريق الصحيحة، لكننا مع ذلك نستقبل التبرعات لأننا نعيل نحو 200 عائلة شهيد فلسطيني. إلاّ أن هذه المؤسسة وغيرها من المؤسسات وبحسب عضو المكتب السياسي في القيادة العامة عمر الشهابي: خاضعة لقرار سياسي في وجودها واستمرارها فيما يبقى الجانب الاقتصادي فيها هامشياً وغير ذي أهمية. الأيتام يحكمون العالم 

عبر أكثر من نصف قرن حقّق الفلسطينيون في سورية إنجازات لا تُعدّ ولا تحصى وفي أكثر من مجال وقطاع وأهمها ربما القطاع الاقتصادي والتعليمي، وهم وإن كان لوقوف سورية معهم بشكل لا مثيل له بين الدول الأخرى الدور الأساس في بروزهم وتفوّقهم إلا أنهم كثيراً ما دلّلوا وفي كل الأماكن التي حلّوا فيها بأنهم شعب حيّ رغم كل شيء ولتصحّ تلك المقولة الشهيرة عليهم "الأيتام يحكمون العالم عبر التاريخ"، فما بالك بشعب كامل وقد أصبح يتيماً.
 ______________________________
المصادر
- مجلة الاقتصادي السورية
- جريدة القدس العربي اللندنية
- كتاب أعلام فلسطين "حرف أ" لمحمد عمر حمادة
- جريدة البيان الإمارتية
- جريدة السفير اللبنانية
- بحث د.ساري حنفي عام 1996(بين عالمين رجال الأعمال الفلسطينيون في الشتات والكيان الفلسطيني)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق